روحٌ إضافيّة - أثير عبد الله (دِجْلَة)
وفاء العهد من شيمِ الكرامِ
ونقض العهد من شيمِ اللئامِ
ومن لا يرعَ عهدك في رحيلٍ
فلن يرعى وِدادك في مُقامِ
تصادفنا بصدقٍ في الودادِ
جمالك غامر مثل الغمامِ
حسبتُ بأنني في الدربِ وحدي
أسيرُ إلى المعالي في سلامِ
أتيتُ إليك يا خير الرفاقِ
أنرتَ عوالمي عند الظلامِ
وكنت الشمس مشرقة بدربي
ونور البدر في ليلِ التمامِ
جرىٰ كالنهرِ عذبًا في فؤادي
يلازمني وجودك باحترام
قطفتُ الحلوَ منْ ثمرٍ تدلىٰ
على شجرِ الصّداقةِ والوئامِ
أَنا الخِلُّ الوفيُّ وإنَّ نفسي
تَفي حقَّ الصَّديقِ على الدوامِ
-وزن الأبيات: ليث
كلنا نعلم أن الصديق له دورٌ كبير في حياةِ الإنسان٬ خاصةً لو كان هذا الصّديق صَديق دين ومرشدًا للصلاحِ والفلاح. في دروبِ الحياة، المرء يحتاج إلى روحٍ أُخرى تُسانده وتؤنسهُ وتشدّ أزرَه.
كل إنسانٍ عليه أن يتحرّى اختيار صديقه.
الصداقة ليست مجرّد كلمةٍ تُقال٬ ولا حديثًا يتطاير هُنا وهناك وأنتَ لا تملك صديقًا واحدًا.
فكلّ من أسميتهم أصدقاءً لكَ وأنهم أخوة لم تلدهم أمك كلام ضعيف لا يؤخذ به. أنتَ لا تعرف ردة أفعالهم عند وقوعكَ في أسوأ المواقف٬ ولم ترى منهم صِدقًا حقيقيًّا. أرى البعض يتمسّكون بأشخاص يرفعونهم إلى مرتبةِ الصداقة العالية٬ وتكون أعدادهم كثيرة٬ وهذا ما لا يكون ضمن إطار المَنطِق والعقلانية. منذُ متى ويزيد الأصدقاء بمعنى الصداقة الحقيقية عن خمسةِ أفرادٍ أو عشرة؟ ثمّ إن بعض هؤلاء صادقون بنواياهم ويرون أن اختيارهم في محلهِ٬ وكلّ من حولهِم من الرفقة صادقون، محبّون٬ مخلصون.
فإذا جاء يوم ما ووقع في شِراك مُصيبة عَويصة يختفون كما لو أنه لم يكن لديه رفيقًا في أحد الأيام. أحد أقربائي كان يعتزُّ بصديق له أشدّ الاعتزاز٬ وأنه لن يجد خيرًا منه في الحياة٬ وأن ما فيه من الصفاتِ تجبلهُ على اعتباره أخًا من روحهِ وقلبه. أخبرته أنها حماقة مُفرطة. كيف لكَ أن تؤمن فيه إلى هذا الحدّ دون أن تنتظر المواقف العظيمة لتخبركَ عن ما تؤمن به؟
لكنه لم يتوانَ في مدحهِ وإخلاصه له. لكن الأمر الجلل أن قريبي قبل فترة ليست بطويلة حلّت عليه مشكلة كبيرة٬ وكان لا بد من أن يفزع له هذا الصديق الذي رأى منه الأخوة والصداقة من عينٍ فؤاده. ولكن يا للأسف٬ هي ذي المواقف التي تخبرنا عن حقيقةِ من ظنناهم سندًا ومتكأً لطرقنا المائلة٬ ومسندًا لرؤوسنا المُتعبَة. ولكن على حينِ غرّة تجدهم أسرع الناس اختفاءً وهروبًا. كما لو كانوا سوى أشباحٍ وأطياف زائفة. خُذلان الأصدقاء الذين كنت تراهم خير الناس٬ هي أكثر المشاعر الأليمة٬ من حسبته بلسمًا لروحك سيُخبرك يومًا في ظلِّ أولّ موقفٍ لكَ أنك لن تجد ألدّ أعدائك أظلف منه في وضعك المزري الذي حلّ بك وكنت تتوقع أن رفيقكَ أول من سيقف معك٬ لكنه يتركك للطوفانِ مُتخبطًا تصارع الموت وحدك.
اختيار الأصدقاء يجب أن يُكلّل بالصّلاح٬ إن اخترت رفيقًا يعرف طريق الله ويتّقيه حق تقاته٬ لرأيتَ الخير والصدق٬ الوفاء والمحبة٬ تتجلّى أمامكَ ماطرة.
قال تعالى: (وجَعلناكمْ شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أكرمكم عندَ اللهِ أتقاكمْ) كلّ كرمٍ أخلاقي٬ كل دَماثة مُفرطة٬ كل حياة سعيدة٬ لن تجدها إلا مع من يعرف التقوى على حقيقتها.
لن تندم ولا تشقى مع تقيّ.
ما أجمل أن يغيّم على صديقين٬ ظلّ الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه. انظر إلى بديع الكلمات:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- «إِنَّ الله تَعَالى يَقُول يَوْمَ القِيَامَة: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي؟ اليَوم أُظِلُّهُم فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي».
من أحبّوا بعضهم بعضًا لله. لا لشيء مادي٬ ولا لشيء يجلب المصالح٬ غير أن حُب الله هو الذي جمعهم واحتوى أرواحهم غايةً في رضى الرّب وحده. لا تهتموا للمظاهر في الآخرين٬ ولا تغرنّكم الأحاديث الواهية٬ ولا المواقف الصغيرة الهشّة العارية. لا تتعمّق قلوبكم بأحدٍ من خلقهِ وأفواه المواقف لم تُفتح بعد.
فمخالب الخذلان والغدر قاتلة٬ حينها لن تخرجوا منها إلا بعد جِراح بليغة٬ ستبقى ندوبًا تنزف كلما مرّرتم مِشرط الذكريات عليها.
يأسرني قول الشافعي لصاحبه: "لا تغفل عني فإنني مكروب" لله درّ الأصحاب حقيقةً".
حبًّا بالله اعتنوا بأرواحكم جيّدًا٬ وابتغوا الآخرة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...