رِسالة نازِح - أمل السيد

( خبزُ الغربة)

ستَعلم كم هو مُرٌ خُبز الغربة، وكم هو شاقٌ تَسلُّق سُلّم الآخرين، عيناهُ طافحتانِ بالدّمع، ووجههُ غيمٌ تلعبُ بهِ الرّياح.

السّماء مُتجهِّمة، والبحر هائج، السّفينةُ تتهيّأ للرحيل...

هي لحظةٌ من الزمن وينقطع ما حاكَتهُ السّنون من أسلاكِ الحب في حنايا الضّلوع.

وحول النازح باقةٌ من خِلّان أتوا للوَداعِ الرهيب!

الصمتُ يكاد يكون شاملاً إلا من تلك الأنفاس المُتقطّعة، الكلماتُ تختنقُ  في الحناجر، العيونُ أعجز من أن تتلاحظ، بل هي تتسارَق النظرات ثم تتحسّر وتتأوّه في محاولة بائسة في إخفاء سيلٍ من الدّموع.

يسيرُ كلٌّ إلى جانب، لأنَّ القُرب أصبحَ لا يُطاق!

وهناكَ تُطوى الحياة، وتسكنُ الدّموع، ليعلو بعدها الشّهيق...

ثمَ تلي نفحاتٌ من الهدوء، فتصفو العين، ويروق الخاطر، ويتكلفُ البعض الابتسامة أو ربما يتصنعُ الدُّعابة

ثمَ ....حانت ساعةُ الفراق...

انطرَح النازح الشاب بينَ ذراعي أبيهِ الشيخ عَلّهُما يصِلانِ ما كادَ يَنقطِع، وودَ كلاهما لو كانت ضمّةُ الأبد.

ثم عانقَ الباقين واحداً تلو الآخر والدّمعُ وحدهُ حديث الوداع.

وما كادَ ينتهي إلى أحد مُودّعيه حتى زاد اضطرابه والمُودّعين، وأخذوا بعض في عناقٍ أليم.

وصعد النازح السفينة، والجميع واجمٌ موجوع.

وكل ذلك فقط، ليذهَب النازح عشرين من العمر، عساهُ ينعم بحفنةٍ من المال في آخر الحياة، فكم هو مُرٌ خبز الغربة...

تعليقات

إرسال تعليق

اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي