ثم عادوا غرباء! - رحيل



إلى الرجل الأفلاطوني -الذي قال يوما عن نفسه: "أنا أسد وسأُحرق غابَة الأمازُون من أجل لبوة!"- : هل طرق الباب أم ما زال ينتعل حذاءه!

ها أنا أكتب إليك بعد عام كامل من خيانتك! لن تكون هذه المرة رسالة حنين وعتاب، وإنما سأخبرك عن حال رجل يحمل نفس عينيك الناعستين!

في زمن كان الرجال يَبيتُون في عيون نسائهم، كانت خيانتك تَبيتُ فيّ، حتى غضضتُ النظر عن تلك الكائنات التي تحمل شَارِبا! استمر الوضع كذلك لمدة، وفي إحدى ليالي الشتاء القارس أتى إلى طوارئ المشفى شاب، لم يكن سوى جُثة هامدة تتأهب للرحيل!

تكالبَ عليه الأطبّاء والمُمرّضات، وكان لي نصيب من ذلك الحشد الذي لم يكن يراه الموت سوى مسرحية هزلية!

انتحيت ناحية في الغرفة، بينما بقي الأطبّاء ينتشلونه من بين فكي الموت، وبالفعل نجا!

في اليوم التالي قادتني قدماي نحو غرفته وكأني أردت الوقوف أمام إحدى معجزات الطبّ، طرقت الباب فقابلني بابتسامة تجعل من فرعون موسى! لم تكن الدّهشة في نجاته وإنما في عينيه الشّبيهتين بعينيك! فالنظر فيهما كان أشبه بالغرق. 

لقد تذكرت بدايات الحب وتلك التّلميحات... بالتحديد تلك الرسالة التي وضعتَها في حائطك: "أعطني إشارة لأعترف لك بالحب" ..لكنني أخذت أتلذّذ بتعذيبك فأجبت عن سؤالك بعد عدة أيام: "نزار قباني يقرؤك السّلام، ويقول: "بعض الهوى لا يقبل التأجيلا" تلحلح يبعتلك حمّى!" ... 

تذكرت الكتب التي شاطرتك قراءتها وتلك الهموم التي نثرناها قبل أن ننام وتذكيري لك بمقولة جدّتي: "أوعاكم يا أولاد تناموا مكتئبين"، وتذكرت أيضا خيانتك! كيف غادرتني وسط عاصفة ثلجية وقد كنت ألتمس الدّفء بين أصابع يديك، وكنت من قسوة الحياة أختبئ في جيوب سُترتك...كيف تركتني أعاني الفراغ والحزن في آن واحد!. ولا يزال ما قاله غسان كنفاني عالقا في ذاكرة امرأة بائسة: "المرأة توجد مرّة واحدة في عمر الرجل، وكذلك الرجل في عمر المرأة، وعدا ذلك ليس إلا محاولات التعويض" فهل كذب غسان في قوله أم أن الحب لم يقع من الأساس، ولم تكن تلك القصّة التي عشتها سوى مراهقات رجل عشريني أَرعَن!.

- يا مِس فيمَ تفكرين؟! (قال لي).

- ‏لا شيء! (قلت له). ثم أردفت قائلة: ألف لا بأس عليك، ثم غادرت الغرفة، لكن هذه المرّة ليس بمفردي. 

مر شهر كامل حتى التقيتُه في درج المشفى، حينها قال لي بعد حديث طويل: هل أنت عزباء؟ فأنا أبحث عن زوجة تُصلّي خلفي!. وبالفعل طرق باب بيتنا بشدة، إنه كجُليبيب يلبس ثوبا بلا جيوب!( ليس له مال)، لم يكن يملك سوى قلبه وشجاعته، طلبني للزواج وقُوبل بالرّفض! فقط لأنه يحمل نفس عينيك، ولأنني لم أستطع أن أكون أنثى في حضرته! رغم أنه كان نهرًا مُتدفقًا من الحبّ والعاطفَة، لكن ما فائدة الماء لحُزمة من الحطَب!


استدراك:

لقد جعلتُ حسابك على الله والموعِد الآخرة!

تعليقات