معايير جاهلية - ميرا محمد

الاختِلاف بمَثابَة فَرض على البشرية؛ فلا يمكن أن تتّفق وجهات النّظر في إطار موضوع واحد دائما، ولكن لنَعِي حقيقة أن الاختلاف في بديهيّات المَسائل وأصول العقيدة كارثة؛ لأنها تهدم قواعد المنظومة ككل. للناس معايير مختلفة يُقيّمون بها المَواضيع بشكلٍ عام، وهذا لا يُلغي مَفهوم الُمغالطَة التي يقع في البعض نتيجة لسوء التّقييم أو لخللٍ في الفِكر أساساً!

تعدّدت الصّيَغ والجاهلية واحدة، وفي زمن الصّراع الحاد من أجل الشّهرة كانت الوسائل غير المَشروعة -الوصول للشهرة بدافع خَالف تُعرَف، أو حتى بدافع مجموعة أسباب تافهة وغير منطقية ألبتة- تبريرا للغائية! 

التّرويج لمواضيع ذات قِيمة مُتدنية بحجة الدّعم الذّاتي للمُقرّبين، عدم إعطاء الأعمَال حقّها من النّقد البنّاء، الإقبال على شراء المُعجَبين من أجل حَصد الإعجاب وليس لسبب ذو فائدة، حصر القِراءة في الكُتب الحائزة على الجوائز بصرف النّظر عن المُحتوى والذي غالبا ما يسيء بشكل أو بآخر لشخصية القارئ وعِرضه أو دينه ومُعتقده، الاستشهاد بالكُتاب الغربيين كونهم محلّ الاهتمام والثّقة غالبا، وكل ذلك تقييم مغلوط قائم على مظاهر جذابة هشّة المُحتوى والقيمة الأدبية والفنية. علينا أن نَفرِز الرُّكام الجاهل الذي اكتسبناه بتأثيرات العصر الحديث والعَولَمة وجاهلية جديدة يعود أصلها لأمم خلَت من قبل كمَديَن "ولولا رَهطُك لرجمناك" ولقريش التي رفضَت النُبوّة لأنها لم تكن من نصيب أيّ رجل عظيم الشّرف من ساداتها! وهل هناك من البشر أعظم شرفا من محمد صلى الله عليه وسلم! 

سوءُ المَعايير أدّى بشكل أو بآخر إلى تَهمِيش الحقّ أولا بعدم قبوله إلا من فِئة مُعيّنة دون فئة! في حين أن القاعدة تقول "يُعرف الرّجال بالحقّ" وليس العكس، فأتباع الحق يثبتون، وأتباع غيره يميلون حيثما مالَت بهم أهواؤهم. 

حين يظهَر الحقّ يَبرُز معه ملامح أهله ولكن المجتمعات حاليا قائمة على النّقيض إذ أنّ إخضاع الحقّ للرّجال يجعلنا تحت سَطوَة العُبوديّة وتمجيد الذّات وتقف عائقًا أمام طريقة تَقبُّلنا للأمور ورضوخنا للغير بدون استثناء! 

إن الحق منظومة ديناميكية تُحرّك الإنسان وَفق منهجٍ قَويم، والتقييم الجاهلي يلغي القيمة المعنوية ويُكلّل المواضيع برَانِ السّطحيّة، فمثلا نحن نعجب بالحضارة الغربية إجمالا وبمعايير جاهلية لا تُميّز الخبيث من الطيّب فخُضنا في ظلمات التّقليد والمُحاكَاة بدون وسائل وِقائية من الشُّبهات وبالنهاية غرقنا في جانبها الفاسِد، وهوينا إلى أرذَل مُستواياتها، وفقدنا شخصيتنا الحرّة، ولم نستطِع مُواكبَة الجانب الطيّب فيها! إذ أنه لا يكفي أن نقيّم الجانب المادي، الاقتصادي، العلمي مُتناسين الجانب الميت الذي أصابه الدّاء ولا دواء له إلا الإسلام، وبغيره فعِزّة وشِقاق! 

إن اختلاف زوايا النّظر إلى موضوع مُعيّن بدون معايير جاهلية يُساهم في الحفاظ على شخصية الفرد وهوية المجتمع ناهيك عن حلول مُبتكرَة ومختلفة في الوقت ذاته، والبعد عن سلسلة الاخفاقَات التي نعاني منها، أو بالأحرى نقَع فيها دائما!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي