الراعي الضحية - أنوار خالد
صباح الخير لشمس الحياة الجميلة، هذه التي تُطل علينا في بداية كل يوم لتعلن الخلاص من الأمسِ بكل ما احتواه، صباح البدايات التي أعشقها والحب الذي ينثره اخضرار حشائش الربيع وعبق رائحة زهور الفل والمشموم، صباح الأحلام التي تغمرني وتجعلني مستمرا بشظف العيش وتدفعني لأمضي قدمًا رغم وعثاء الطريق وصعوبة الحلم في بلاد تعمّها الحروب ويسودها الأسى إثر المنازعات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
لكنّي مؤمن بأن الأحلام ما خلقت إلا لتتحقق ومازرع الله فينا حب شيء إلا وهو يعلم بأننا سنناله وإن كان بيننا وبينه أمد بعيد..
أما عني فإنّي ممتلئ بالأحلام والشغف لتحقيقها ونيلها، وربما لستُ أهلًا لذلك وقد يقول البعض أنني مجرد راعي أغنام، أقضي معظم وقتي برفقة الحيوانات - وثيابي الرثة خير دليل- وبدلًا من أن تفوح مني رائحة العطر تجدني أشم رائحة البول والغائط، ولأكون صادقًا مع نفسي قبل الجميع ذاك الرأي لا يؤثر بي قيد أنملة وحديث الناس لن يجدي بي نفعًا ولن يوقفني عما أنا ماضٍ في دربه، أما وقد أشعلت شرارة الإصرار فلا مجال لليأس وتحطم الآمال.. هكذا أحدث ذاتي كل صباح وقتما أنشد الرحلة للرعي، أكلمني، أحفزني وأنثر في طريقي كل مايدعو للأمل تاركًا خلفي آثار قوة وعزيمة يتتبعها كل من كان له نصيب بأن يحب الحياة ويحلم بها كما فعلت.. لكن الرحلة في ذلك اليوم - يوم الحَزَن- غدت متعبة فشعرت إثرها بوهن في جسدي وخمول على غير عادته فآثرت الجلوس لآخذ قسطًا من الراحة فأنا وكما يقول والدي بأنني ولد عنيد، لا تعجبني الراحة وأظل دائمًا في إطار التعب والمشقة وكنت أردها له بأن الحياة ليست بتلك السهولة لتعاش وكذلك ليست وافرة العطاء لنتقاعس فيها عن الجد والعمل.. تركت أغنامي تأخذ حريتها وتتوزع على مشارف الحشائش لتأكل منها وبينما كنت أبحث عن مكان هادئ وبعيدًا عن أشعة الشمس المحرقة رأيت شيئًا صغيرًا لفت ناظري فقتلني الشجن لأعرف ماهيته، خطيت بتأن متجنبًا وخز الحجارة ولقفت ذلك الشيء بيدي، استغربت من شكله، ما الذي أتى به ومن الذي رماه هنا، قلبته بيميني وشمالي وفجأة صوت انفجار يدوي بالمكان ولا علم لي من أين!
بعد بضعة لحظات صحوت ورأيتُ نفسي بسيارة ووالدي بجانبي يصرخ بالسائق للإسراع بالإسعاف، لم أشعر بجسدي ولا بأطرافي، نظرت لعيني أبي علّني أجد منه كلامًا يُطمئنُني لكن دموع نحيبه كانت كفيلة بردعي وإجباري على الصمت.. مرّ الوقت ثقيلًا أو على الأقل بالنسبة لي، كانت تلك الساعات كالجبل على قلبي من صعوبة مرورها حتى زال مابي من خوف لحظة ما وصلنا إلى المستشفى، أسرعوا بدخولي وأكملوا الإجراءت من ثم أتى الطبيب ليفحصني ويرى أماكن الإصابة، كنت وكما يقال" كالأطرش بالزفة" لا أعلم ما الذي جرى لي وما سبب إصابتي إلى أن سأل الطبيب ووالدي فأخبره بأن لغما انفجر فيّ وقد أصبت في رأسي جراء هذا الانفجار كما أن ثلاثة من أصابع يدي قد بترت وامتلأ جسدي برضوض إثر الشظايا المتطايرة.. صعقت حينما سمعت كل هذا من والدي وأحسستُ بوجع ينغز أعماق قلبي وتطايرت أحلامي أمامي وانتشل الإصرار وذهب الأمل في مهب الريح!
كنت أقول دائمًا لا شيء كالأحلام يُحيينا والآن أقول وكلّي أسى تبًا لأوطان تفتقر للأمان، لا حياة فيها لحالم، ولا حتى لقليليّ الحظوظ، يُقتل فيها الأبرياء ويذهب ضحاياها رُعاة الأغنام!
💔💔مؤسف لِما وصلنا به من حال
ردحذف