معاناة الخرّيجين - ضياء مسعد



عندما كنتُ طالبة في الجامعة كنتُ آملُ أني عندما أتخرّج سوف أحصل على الوظيفة المناسبة في مجال تخصُّصي. 

ولكني عندما تخرجتُ من الجامعة فوجئتُ بعدم وجود الوظيفة، فقد تمّ على تخرُّجي من الجامعة ثلاث سنوات، وكنتُ أرى الخرّيجين من قبلي يُعانون من عدم وجود المُسمّى الوَظيفي  في بلدنا، فكنتُ دائماً أتساءَل في نفسي هل بلادنا فقيرة إلى هذهِ الدّرجة حتى يمنَع أبناءَه أبسط حقوقهم في الحصول على الوظيفة؟ 

راودَتني بعض التّساؤلات، هل بلدنا فقيرة وخيراتها غير كافية لتفيض علينا من خَيراتها الوَفيرة؟ 

لماذا كنا دائماً نسمع من آبائنا بأن اليمن بلد خير؟ 

 ما زلتُ أتذكرُ حديث والديّ عندما كنت في الابتدائية وهما يُحدّثانني بأن اليمن من أول الدّول الدّاعمة لفلسطين من خيراتها الوفيرة! أعلم أن اليمن دَاعِمة للقضيّة الفلسطينة منذُ زمنً طويل! 

وعندما أقامَت الحرب في سوريا اليمن هي من أول البُلدَان العربية التي فتحَت أبوابها للسّوريّين واحتضَنتهُم وأعطتهُم من كل خيراتها! 

 لماذا دائماً ينظر إلينا الآخرون على أننا بلد الثّروة السّمكيّة والنّفط والمَعادِن والمَمرّات المائية والمَضايِق التي تُحيطُ وتُطلّ في كل شِبرٍ من بلدنا. 

في حين أنّ اليَمنيّين أنفسهم لا يَجدون مكانًا لائقاً للعيش أو للعمل أو للوظيفة؟ 

وبعد كل هذهِ التّساؤلات التي دارَت في ذِهني من أجل إخوَاني وأخوَاتي المتخرجين من الجامعات، فأننا نراهم يَدرسون ويجتَهدون ويَتعبِون ويَسهرون الليالي الطّويلة من أجل الوصول إلى تحقيق أحلامهم، فنرى البَعض منهم يَدرس ويَعمل في آنٍٍ واحد ربما قد يَعثر على عملٍ براتب ضَئيل جداً آملاً أنهُ سوف يحصل على الوَظيفة اللائقة بهِ عندما يتخرّج من الجامعة، فيَتخرّجون ولا يلتفت إليهم أحد، فقد أصبحَت الوَظائف في وطني تباع وتُعطى لمن لا يَستحقّ!  

تذكرتُ إحدى صديقاتي التي كانت تعمل معلّمة مُتعاقِدة لدى بعض المَدارِس، فسألتُها: 

فاطمة منذُ متى وأنتِ تعملين معلمة في هذهِ المَدرسَة؟

فردّت عليّ قائلة: ياضياء أنا أعمل مُعلّمة في هذهِ المدرسة منذُ حوالي سبع عشرة سنه، أي منذُ تخرُّجي من الجامعة وأنا أعمل مُعلمّة في القِطَاع الخاص.

فسألتُها: ألمّ تَتوظّفي بعد يا فاطمة؟

 فردّت عليّ بضِحكتها اللّطيفَة ههههه هههههه، وأين الوَظائف في بلدنا يا ضِياء؟ 

نعم ما زلتُ أتذكّر أنني وَقفتُ حزينةً حَائرةً عندما استمعتُ إلى حديث صَديقتي فاطمة التي تكبرني في العمر بأعوام كثيرة، وهي تروي لي مُعاناتها كلّما خرجَت من بيتها إلى المدرسة لتتعَب كلّ هذا التّعب مع الطّالبات دون أي مَرتبة...! 

فقلتُ لها حينها: لا بأس يا صديقتي، اجعلي كل تعبكِ هذا لوجه الله تعالى، وأنتِ فتاة مُؤمنة، اجعَلي تَدريسكِ هذا لأجل الله  تعالى حتى لا يضيع تعبكِ هباءً مَنثُورا، فإنّ سقيكِ العلم للطالبات في سبيل الله ستنالين عليهِ أجرًا عظيمًا ويكون نافعاً لكِ في الآخرة إن شاء الله. 

بعدها أخبرَتني صديقتي أنها كلما تحسّرت على السّنوَات التي مضَت من عمرها وهي تعمل مُعلِّمة تذكّرت كلماتي عندما قلتُ لها اجعلي تعليمكِ هذا لوجه الله تعالى. 

وأعرف إحدى الأخوات وهي في عمر أختي تماماً وقد كان تخرجهما من الجامعة في نفس السنة وإلى يومنا هذا وهي لم تحصل على التّعيين الوظيفي وقد مرّ على تخرجها من الجامعة عشرون عامًا وهي الأن أمً لأربعة أطفال! 

عندها عملَت مُعلّمة في التّدريس المجّاني في إحدى مدارس بلدنا، وأنهُ يجِب عليها أن تدفع أُجرة النّقل عند ذهابها للمَدرسة كل يوم، أخبرتني أنها حينها تركت العمل فيها مباشرة وأنّه يجب عليها أن تَخرج يومياً من أجل الحُصول على لُقمَة عيش لأطفالها فمن أين لها أن تدفع أجرة النقل لذهابها إلى المدرسة التي قد أخذت النصف من عمرها بلا وجود أيّ مَردود؟ 

ونحنُ يا إلهي نعلم أن ديننا الحنيف قد علّمنا أن نعطي الأجير أجرهُ قبل أن يَجِفّ عرقُه! 

 لا أعلم ماذا يَسعني أن أقول بعد أن رأيتُ كل هذهِ الُمعاناة التي يُعانيها خُرّيجو الجَامعَات! 

ولكنَ أملنا بك يارب، وليس بحكام بلدنا والمسؤلين فيها، فيا رب لا تُسلّط علينا في بلدنا اللّصوص الذين يَنهبون ويُنكرون خيرات بلدنا، وأنت وحدكَ يا رب تعلم كل ما نُعانيه في بلدنا وهي بلد الخير المليئة بكل خيراتها الثمينة.  

ربنا لا تكسر قلوبًا لجأت وسلّمت أمرها إليكَ، فقد تَعبوا من المُطالبَة بحقوقهم، وأجبرتهم قَسوَة الحياة على العمل براتب ضئيل أو العمل المجّاني أملاً في التّثبيت الوظيفي فهم اليوم قد فقدوا الأمل حتى في حصولهم على عقود العمل في المَرافِق التي يعملون بها، وها هم كلّ عام يذهبون للخِدمة المدنيّة للتّقيد  من أجل العمل آمِلين بالوظائف الحكومية التي تُعوّضهم عن كلّ هذهِ المُعاناة التي يُعانونها، فيا ربّ إنّنا ندعوكَ أن تعُمّ الأمن والأمان على بلدنا وتنعم عليها بالخَير الوَفير والعَيش فيها بهناء يا رب!

تعليقات

  1. كلام جميل فعلاً مشكلة يعاني منها الجميع . اللهم آمين يارب العالمين

    ردحذف

إرسال تعليق

اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي