وكن من الساجدين - أسماء سامي



﴿وَلَقَد نَعلَمُ﴾ فيها من الدفء ما ينسيك حزنك، يابني قالها العزيز ﴿وَلَقَد نَعلَمُ﴾ فقم، الله يعلم ما بك وإن أجزمت أن لا أحد يعرفك،

 الله يعلم ما تمرُّ به من أشجان، وكيف يضنيك ثقل الأوجاعِ على قلبك فهل تظن بأنك ستهون عنده؟ هل تعتقد أن ماء دمعك ليسَ له ميزان يرفعُ قدرك؟

يا بنـيّ 

يعلم الله كل ما نمر به، يسمع صدى الأنين، واختناق الحزين، ونحيب المكلوم، يعلم أن بعض الكلمات تشظي قلبك من قوة جرحها في جدار روحك، ولذلك قال﴿فَسَبِّح﴾ وماذا أيضًا؟ ﴿وَكُن مِنَ السّاجِدينَ﴾، ليسَ هنالك أفضل من التقرب من الله، حتى تشفى، قل يا الله على الأحزانِ حتى تشفى، وعلى الأوجاع حتى تبرأ، وعلى الأنين حتى يهدأ.

﴿وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ﴾ ياللمواساة حين يفهمكَ ربكَ ويطبطبُ على قلبك بـ ﴿وَلَقَد نَعلَمُ﴾ ألا يكيفكَ أنّ الله يعلم؟

ألا يكيفيكَ ﴿بِأَنَّ اللَّهَ يَرى﴾ ؟

وألم تعلم ب﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ﴾؟ 

قد تُجرح يا بنيّ قلوبنا مرارًا من وقع الكلمات التي تخترقُ جدارَ قلوبنا بساهمها المسمومة لتشظي قلوبنا النازفة، لكن تذكر أنّ الله يعلم وجع الكلمة، وجع القلوب الباكية، ضيق النفوس الباسمة، يعلم ما نمرُّ به، وما يحزننا. كان حزنُ النبي صلى الله عليه عميق، كيف لا وهو الذي كان يلقبُ بالصادقِ الأمين، والآن عندما جاء بالحقِ وصدق النبوة كذبوه، جرحوه، لم يصدقوه، وصفوه بالساحر والمجنون، نعتوه بكل ما لا يليقُ به، آذوه، كذبوه، أهانوه، حاصروه، ورجموه، يعلم الله أن هذا لم يكن سهلًا مروره على قلب النبي وأنه ﴿يَضيقُ صَدرُكَ﴾ يرممه الله ويقول له:﴿فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ﴾ 

وهذي الآياتُ بمثابة العلاج ليسَ لمحمد صلى الله عليه وسلم فقط بل هي لكلِّ من ضاق صدره، فجميعنا لا نهون عند الله فيرشدنا  للعلاج، فيقول لك ﴿فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ﴾ يخبرك الله بأن الشفاء كلّ الشفاء في القرب منه، وإن البلاء مهما عظُم سيهون عندما تخبر الله به، يا بنيّ اجعل الله ملجأك من فوضى العالم وضجيجه، أهرب إليه بكامل حزنك، بوهنِ جسدك، بضيقِ صدرك، وبُكاء عينك. 

وتذكر في الآخير يا بنيّ أنّ التمكين لا يأتي إلا بالبلاء والصبر عليه، فإن أردتَ أن يُمكّن لك في الأرض فخذ بوصية الرسول: "واصبر على ما أصابك، واستعن بالله" في هذه الكلمات سرٌّ خفي لن يفقه إلا من كان لبيب، فاصبر واستعن بقوة العزيز الجبار.. 

ولا تغفل بأن تكونَ ﴿ مِنَ السّاجِدينَ﴾.



منشور من العدد 42 لمجلة منشورات الواحة

 Instagram: manshurat_alwaha

تعليقات

إرسال تعليق

اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي