قبل الندم



اعتدنا القول في آخر رمضان: "لقد انقضت الأيام كلمح البصر ولقد بدأنا للتو تذوق لذة الطاعة والأنس بالعبادة فيا ليت رمضان يبقى، ويا ليته كان دهرا ولم يكن شهرا لما فيه من البركة والسكينة وحلاوة في الطاعة... " 
وهذا ديدننا كل حين بعد  رمضان ولكن بطبيعة الحال لا نأخذ حذرنا مرة أخرى إذا أقبل رمضان آخر، فنظل ندور في حلقة مفرغة من الندم. فالندم حاصل لا محالة إذ أننا مقصرون إلا ما رحم الله، ولكن لا سبيل إلا بالمجاهدة، فإن كنت قد فرطت في شهر الغرس(رجب) فلا تفرط فيما بقى من شهر السقيا(شعبان) ، فمن كان له حظ من التلاوة، وورد يومي من الأذكار، والقيام، والدعاء، والذكر فليزد ﴿مَن كانَ يُريدُ حَرثَ الآخِرَةِ نَزِد لَهُ في حَرثِهِ﴾ ومن لم يكن له من ذلك حظ والله المستعان فليبدأ الآن، فمن أراد اللحاق بركب قوم وصدق قوله فعله وصل، وأعانه الله بقدر صدق توكله، فالتفاوت في النيات وأعمال القلوب لهو أمر عجيب. فلا تكسل، وأبدأ ولو حبوا، وإن كنت تعرج في المسير، فالأمر ليس أكثر من مجرد نية صادقة وخطوة ثابثة يليها خطوات يدفعها الدعاء في طريق الصلاح، وبعدها سترى لذة الطاعة والعبادة، ليأتي رمضان وقد أعددت العدة فترى أبواب الخير قد فتحت فتزداد بذلك أيمانا وهمة على الطاعة، ولكن إن قلت أبدأ من رمضان، فالمؤمن الصادق لا يأمن يومه من غده فكيف يأمن مثلك يوم في علم الله لا يعلم ما هو مقدر له فيه.
ها هم أولاء أصحاب الشهوات والهوى وأتباع الشيطان الذين يقومون بدوره بعد تصفيده، قد أعدوا عدتهم لرمضان من برامج تافهة ومحتوى يلهيك عن ذكر الله وعن إتمام صيامك على أكمل وجه. فاستعن بالله ولا تعجز وعليك بربط قلبك بذكر الله وأسأله الثبات فقلوبنا تقلب كيف يشاء. ولا تكثر الأعذار ولكن بادر وامتثل   ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ}، ولا تقل عن بعض الأمور : هذا طباع لا استطيع منها انفكاكا! "الإنسان مثلما هو مكلف بامتثال الشرائع فهو مكلف بمغالبة الطبائع"، أما نوم النهار بأكمله، وسهر الليل بطوله، وتخمة تعجزك عن القيام فتلك غفلة وأي غفلة!
فقط أبدا الآن أو تندم غدا. 
ولا تنس أهل غزة من الدعاء بألا يُقبل عليهم رمضان إلا وقد انتصروا على عدوهم ورُفع عنهم البلاء وصلُح حالهم.


منشور من العدد 42 لمجلة منشورات الواحة
 Instagram: manshurat_alwaha


تعليقات