لِحاف القهر - أمل السيد

 


قد تظن أنك نسيت، وأن الأمر مرَّ 

وكأنه لم يعد ولكن! بلحظة ما 

صورة؛ تعيدك من نفس الشعور 

الأول ... 


جَزِعتُ عن الشعور 

وتحديد مصداقية الأمر، أن أستوعب كمية الأحاسيس التي اندست في داخلي؛ جزعاً من معاودة شعورٍ يخصني فيما مضى، أن أتعاين محسوسيتها، وأسترجع ذكريات الأمس، الأمر بأكمله موجع حد اللارجوع ببساطة.

بعض الشعور لو أنك تجد الطريقة لتقاذفه بعيدا عنك، ليس خوفا منه ولكن! خوفا على عقلك أن لا يستوعب ذلك الأمر مرة أخرى،

قد نحتمل الفقد ولكن الاحتفاظ بالذكريات أشد وجعا..

فالصورة كانت كفيلة أن تحكي 

جلَّ المعاناة، أن تتحدث عن مائة وخمسة عشر يوماً،

كفيلة أن تشعرك بعمق العجز والضعف الذي يتلبسك، وأنه مهما ادعيت المثالية والقوة؛ أنظر لتجد حقيقتك تتجسد أمام مرآة الواقع.

لقد سرى بمخيلتي موقفا 

مشابه، لوهلةٍ ظننت أنه نفس الشعور والموقف إلا باختلاف الزمن.

تراءت إليّ نفسي في ظل ظروف الحرب،

في ليلة بائسة تجرعتها مدينتي، بل على الصحيح الأدق 

حارتي، منزلي، جيراني 

عائلتي وطفلي .. 

نركض بين وابل الرصاص، صراخ النساء وعويل الأطفال، تكبير الشباب وحوقلة الشيوخ.

يا رب، وكأنه المحشر

لكنك الله، وهؤلاء شياطينُ البشر 

لا رحمةَ هنا يا رب ..

أجلسُ القرفصاء على مقربة من ضوء هاتفي، 

الرياح تتراقص وتزف سيمفونية الخوف،

بدت لي ملامحي لشدة شحوبها 

وكأنها أحد الأشباح التي تنشق عن ظلام الليل.

الليل ثقيلٌ جدا، بطيء الخُطى 

إلا من أصوات الرصاص المرتعد.

كل مابي يتذكر أنه ما زال ليلٌ لم ينجلي، 

كليل تلك الطفلتين في أحضان البرد، ليلٌ يتشعث في رداء السماء الأسود، وطفلي يرتعب خوفاً وهلع في حظني، 

يحاول أن يلتمس الأمان الذي عجزت أن أصدق وجوده.


كلتا الطفلتين تُساهرا اليأس على حفيفِ الأمل، وأنا وطفلي ننتظر الرحيل على ضوء الهاتف ..

تخبرني أمي أن الأمر بيد الله، ولن يصيبنا شيء، لكنني عجزت أن أخبر طفلي أننا سنبقى أحياء، 

لم أكن أصدق ذلك.

ولا شيء يوهم بالبقاء على قيد الحياة.

كل تلك المؤشرات التي تخبرنا بها وابل الرصاص والدبابات، 

ماهي إلا توثيق لمَّ يدور في ذهني.

كانت النساء تردد" اللهم سلم"

"اللهم سلم"

لكنني عجزت أن أأمّن

كل قولي؛ 

يا رب موتةً سوية 

يا رب كلانا 

يا رب لا يصبح أحدنا فاقد للآخر.



منشور من العدد 42 

لمجلة منشورات الواحة

 Instagram: manshurat_alwaha


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي