السياسة في الخبرة الإسلامية - السيد سين
إن الصورة النمطية المنتشرة في أذهان بعض الناس عن علم السياسة؛ أنه العلم الذي يهتم بكرسي الحكم والحصول عليه وفرض السلطة والنظام. وفي تعريفهم شيء من الصحة, ولكن بالطبع لا يمكن أن يحمل هذا التعريف معنى السياسة بشكل كامل, فالسياسة حسب التقاليد الغربية قد تحمل هذا المعنى بشكل واضح، أما عن السياسة في التاريخ الإسلامي فقد كانت مختلفة بشكل كبير عن السياسة في التقاليد الغربية, فبينما كان الغرب يعتبرون السياسة علم يختص بالصراع والقوة والسلطة، صار المسلمون يفتخرون بتطبيقهم للسياسة الشرعية التي كانوا يستمدونها من القرآن والسنة , ويمكننا أن نختصر السياسة في الخبرة الإسلامية بكلمة واحدة, وهي: "الإصلاح" فأصل السياسة جاءت من التهذيب والتربية والتدريب والترويض والإصلاح، فالسياسة في اللغة أطلقت في أول الأمر على سائس الخيل.. أي الذي يدربها ويروضها، ثم أطلقت على تربية الصبيان الصغار, فأُلفت العديد من الكتب التي تحمل هذا المصطلح منها كتاب " سياسة الصبيان وتدبيرهم" لابن الجزار, فكانت السياسة الإسلامية تهتم بإصلاح العباد والبلاد والاهتمام بمصالحهم جميعًا، ثم جاء العلماء ووضعوا قواعد لعلم السياسة وعرفوا السياسة بأنها: (جلب المصلحة ودرء المفسدة)وعرفها البعض الآخر بأنها: (أخذ الناس إلى الصلاح وإبعادهم عن الفساد) وقد خاطب العالم الكبير ابن عقيل محاوره الفقيه الشافعي حيث قال له: "إذا كنت تقصد أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فهذا غلط وتغليط للصحابة" ثم أردف "السياسة هي أي فعل يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يرد فيه نص قرآني ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم".
وهذا الاختلاف الكبير بين السياسة الإسلامية و الغربية جعل الكثير ممن لا يدركون حقيقة السياسة في الإسلام يظنون أن علم السياسة الإسلامي علم يقتصر على الزهد والمواعظ والتصوف ولا يقدم شيئا للمجتمعات, لكن في الحقيقة أن السياسة الإسلامية التي تعني الإصلاح تشمل جميع مراحل المجتمعات, فهي تفصل المجتمع الواحد تفصيلًا لأجل أن تقوم بمهمة الإصلاح على أكمل وجه ولهذا بتحليل صغير وبحساب يسير نجد أن السياسة الإسلامية تركز على المجتمع ككل لا على الدولة لوحدها , فهي تقدم المجتمع على الدولة, مما يوسع دائرة دخول السياسة في حياتها.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...