عمـر من ندم - إيناس البرطي
يتسلل الفجر من زجاج النوافـذ بهدوء. الجميع نائمون وهو في شرفة منزله ينتظر وصول ابنه البالغ من العمر عشرين عـاماً.
يحمـلق في الأفق و بين يديه مصحفٌ مغلف بالتقوى وملازمة الذكـر. المسبحة التي بجانبه انتهى الليل مع حباتها الصغيرة. لا زال ينظر بعيداً ينتظر ابنه العائد من عرس صديقه، يود أن يصلي الفجـر معه ولكنه يتفاجأ أن ابنه نائم في غرفته بعد ليلة طويلة من اللهو والسهر.
يحاول إيقـاظه لصلاة الفجر لعله يستمع له،
بني :
انهض، قم وصلِ الفجر ثم عاود النوم، لاتنم دون صلاة.
يستيقظ الابن وفي عينيه حمرة السكران و حمم من الغضب، ملوحا بيده لأبيه أن يخرج من الغرفة وكأنه يريد قتله لو لم يكن ذلك الشخص أباه !
يضع الوالد النقود بجانب رأس ولده الصغير كمصروف ليومه التالـي، ثم يمضي خارجـاً من الغرفة .
إنها ساعة الظهيرة، الشمس في كبد السماء ولكن أكباد العائلة مفطورة، الحرارة في أوج قوتها ولكن القلوب احترقت لمصابها. السماء قد آذنت بالسواد ولكن العيون أصابها العمى!
يستيقظ الابن وهو يصرخ وينهر أهله، ماهذا النواح!؟
ألا تعرفون كيف تهدأون ليوم واحد؟!
ـ لقد رحل أبوك يا عمر!
ـ لا تقلقي، لعل ضغطه ارتفع كالعادة، دقائق وسيعود
ـ لكنه لن يعود يا عمر، لقد غادرنـا والدك للأبد!
تعتلي وجه عمر نظرات خوف ويدرك أن والده قد مات!!
يسقط الابن ندماً وحسرةً على ما فرط في طاعته و تبقى روحه غصة في حلقه!
يسأل نفسه، ما الذي كان سيخسره لو أنه صلى لخمس دقائق ثم عاد للنوم!؟
ما الذي سيكتسبه من صراخه بوجه أبيه!؟
كانت خمس دقائق جعلته يخسر الدنيا ويخسر أباه، ذلك العجوز المريض بالإيمان والعقلانية البحتة .
يعلن الليل عن بدء نوبته، لكنه سيظل للأبد في حياة عمر لن يشرق الصباح الذي كان يشرق من وجه أبيه بعد صلاة الفجر..
مؤلمة💔
ردحذف