أتدرون من المفلس؟ - علي الأزرق

 


هلعٌ عارمٌ يبتلعني كل ما رأيت بعضًا من الناسِ يتناحرون على الدنيا، أو يقذفون الشتائم والسِباب دون أن يعلموا عظيم هذا الأمر، وما يسبب من فجوةٍ عميقةٍ وهوةٍ في المجتمع، وأوساط الشباب. حيث تصبح هذه سِمتهم، ودأبهم للدفاع عن أنفسهم طالما الطرف الآخر يشتم ويقذف السِباب تجاههم.


وهذه الظاهرةُ لم تكن وليدةُ اليوم، ولا أمسٍ؛ بل هي ظاهرةٌ طغت على المجتمع طوال قرونه وعقوده على مر التاريخ، حتى أنك ستجد في الكثير من الأمثال والقصص التي وردت عبر السيّر والتي تخبرك عن ذلك بأوجهٍ عدة، عن التفرق والتشتت الذي عمَّ البلدان والقبائل والأنساب بسبب شتيمةٍ أو سِبابًا أو أي نوعٍ من أنواع القذف والردع تجاه الآخرين، بحجة الدفاع على النفس، ومسح وجه الطرف الآخر على الأرض بمجرد إطلاق تلك الشتائم، وذكر مساوئه أمام الملأ، وقد حذرنا الرسول ﷺ قائلًا عن ذلك: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ "قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ؛ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". أخرجه مسلم.


فتخيل حجم الموقف وأنت واقفٌ بين يدي الله، وقد أفلست رصيدك من الأعمال بسبب شتم هذا وقذق هذا، بل وكنت تحسب ذلك هينًا لا تؤاخذ عليه! والحقيقة أن هذا أمرٌ مُخِلٌ للآداب من الدرجة الأولى -فضلًا عن الحكم الشرعي الذي يُطال صاحبه-، فترى الرجل يسب الرجل فيسب أمه، فقد ورد حديثٌ يقول النبي ﷺ فيه: "مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ. وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ". أخرجه مسلم.


فهذا موضعٌ آخر من الكبائر يحذرنا ﷺ فيه عن الشتمِ.


فالخطب جلل، والواقع لا يحتمل هذا؛ فالأمة اليوم تمر بما هو أدهى وأمر من هذا، وقد وجب التنبيه هنا لتجنب هذا الأمر، والأخذ بزمامِ أمورنا، والتحلي بما ينفعنا ويعزز من رابطة الأخوة والتسامح في أوساطِ مجتمعنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي