قراءة تغريبة القافر - أمجد فائد العبسي



 الرواية: تغريبة القافر

للروائي العُماني: زهران القاسمي

قراءة وتذوق: أمجد فائد العبسي



تحكي رواية تغريبة القافر عن أحد مقتفي أثر الماء في إحدى القرى العمانية يستعين به أهل القرى المجاورة في البحث عن الماء وكان يلقب بالقافر. 


الرواية ساحرة، تحمل في طياتها سرد الكثير من المعاني الأليمة؛ حيث تدور أحداثها عن مريم الذي كانت تعيش مع الأصوات والصداع الذي كان يملأ رأسها، وفي اعتقادي أن الكاتب كان يقصد هنا الوسواس الذي لا يُعالج، حتى أنَّه ساقها إلى نهايتها غرقاً في البئر، فالوسواس قد يسيطر على الانسان وقد يُنهي حياته.


ومن بعد أن أُخرجت مريم جثه هامدة من البئر صدر لنا الكاتب صوره تفسير الآية القرآنية "ويُخرج الحيّ من الميّت" بطريقة سرديّة سلسه عندما أخذت كاذية تفتح بطن مريم وتُخرج الطفل بعد أن اعترض شيخ القرية عن ذلك بحجة أنه حرام، وهنا قدم لنا الكاتب قضية أخرى هي الاستهانة بأرواح الإنسان لِمجرد الاعتقاد بحرمة ذلك.


أسمت كاذية الطفل "سالم" وعندما كانت تبحث كاذية عن مرضعه أتت آسيا المرأة الذي لم يعيش لها أطفال، فأرضعته، وأسقته من حنانها، وكانت ترتاد عليها دائماً حتى بعد ما تم فطامه وخاصةً بعد انقطاع أخبار زوجها عنها.


الكلمة وتأثيرها سلباً على الإنسان وتحولها إلى وسواس

في صفحة ٥٢ عندما أخبرت أحد العجائز آسيا بنت محمد أن إحدى النساء سحرتها لأنها كانت تريد أن تتزوج زوجها، كذلك تناولت الرواية خرافات منها أنَّ الأسماء الشينه تمنع الحسد والعين. 


تركز الرواية على سالم أو كما أسمته أمه الذي ربته، "القافر" بعنى سالم من التنمر والنبذ من أهل قريته، إذ كانوا يعايرونه بأمه الذي ماتت غرقاً في البئر، وآخر يُسمية ابن الجن، وآخر يرمية بالطوب، ولكن كان لقافر موهبة، كان يسمع صوت المياة الجوفية، ويحدد مكانها بمنتهى السهولة، ولاحظ هذا الميزة من طفولته، إذ كان أبوه يستغرب، وأمه كاذية أيضًا، ولم يفهمو قصده وكلمتاته الذي كان يُرددها (ماي ماي) الوعري هو الوحيد الذي صدّقه وعرف بما يمكن لهذا الطفل أن يفعله.


تناول الروائي مشكلة القحط والجفاف الذي مرت بها إحدى القرى العمانية بعد ما كانت تعج بالخير والنعيم والبذخ يُسيطر على أهلها حتى حَلّ بهم القحط والجفاف، الحر والجوع والعطش، حتى عزموا على البحث عن مجرى ماء آخر، إذ حفروا بعض الأفلاج القديمة التي رُدمت بالسيل، وحتى وجدوها جافة، فأشار عليهم القافر أن يحفروا قرب صخرة كبيرة، 

ولكن أخذهم الاستهزاء بهم ولكن القافر لم يستسلم وأخذ يحفر، وسانده والده حتى وجد الماء، وبعد أن وجد الماء، تحول استهزاء الآخرين إلى ثناء وتأييد.


في اعتقادي أنَّ الكاتب يُصدر لنا مُشكلة كبيرة جِداً نجدها نحن في مُجتمعاتنا العربية،وهي الاستهزاء ومحاربة المبدع وإحباطه، وإذا نجح؛ صفقنا له وقلنا نحن من كنا وراء نجاحه. 


شدني الفصل الثامن من الرواية لأنه يحمل في طياته كيف تكون الصُدفة بجانب الحب، حين وقف القافر يرى نصرا بعد أن رآها من قبل وأعجب بها، من ثم خطبها وتزوجها، وكيف رحل أبوه غريقاً عاطشاً في صباحية عرسه، كما رحلت أمه من قبل، وعودته إلى قريته مُحملاً بالحزن والخيبة، وموت كاذية بنت غانم من شدة حزنها على أبيه، وحزن الوعري على وفاة كاذية وسهره قرب قبرها، والمزج بين أكثر من شعور، وأكثر من موقف بهذا الطريقة، السردية السلسة تحسب للكاتب. 



في الفصل العاشر من الرواية أدركت أن المغامرة لا بد منها في هذا الحياة حتى وإن كانت عواقبها مؤسفة، لبث القافر أياماً طويلة مَحبوساً في قعر الأرض، لكنه

لم يستسلم، وضلّ يُحاول الخروج من سجنه في الفلج حتى وقعت عليه الحجارة. 


الرواية جميلة فكرةً وسرداً ووصفاً، أدعو لقراءتها لأكثر من مرة، نظراً للحلاوة التي بين السطور والتي امتزجت بالشد والجذب بين الحب والحزن، بين الشدة والرخاء، وبين ما استطعت التكهن به وبين ما تفوق عليّ الكاتب في وضع خاتمته المغايرة.



منشور من العدد 41 لمجلة منشورات الواحة


 Instagram: manshurat_alwaha


تعليقات

  1. رائع رائع كلام يستحق التامل لله درك

    ردحذف

إرسال تعليق

اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي