جدتي والحب - نادين عبد الجبار
فتح باب الغرفة بهدوء، صمتٌ يُغرقُ المكان، كأن كل شيء يُناظر رقص الستائرِ البيضاءِ وهي تتمايل بين أحضان رياح النوافذ، كانت هي على كرسيها المعتاد تتعهد صورة على حائط الذكرى، تُقبلها عيناها بوفاء وتزيح غبار حنينها بتنهيدة، أمسكَ جدئلها البيضاء بحنانٍ، لطالما أغرتُه رائحتها المعتقة بالبخور، في عينيها عالمٌ آخر يملؤهُ الحب، نظراتُها بوابةُ الهروب من واقع الحياة، تحتويك ابتسامتُها الدافئة وتلملم شتاتك كفاها المتعرجتان، تلك التي ترسمُ بتعرجها خرائط النجاة من بؤس الشقاء المشنوق على ملامحه...
جثى بين أقدامها كطفلٍ في السابعة يحتاج لهودج يسعُه, علهُ يغفو فيه ما تبقى من عمره دون أن يستيقظ أبدا...
جدتي....
همسَ ببحةٍ يملؤها تعب الحنين كباب لمنزلٍ مهجور تركهُ أصحابهُ وغادروا فشاخَ صوت الباب المُعلن عتبهُ بعد سنين من الألفة...
أحتاجُكِ يا جدة , فقد تمرّدَ الحب في قلبي وأعلنَ عصيانه, وأن شابك الفتي " يعشق "ومالهُ من الحب سوى الحنين المُظني, فلا شعورٌ بالقرب يدثرني ولا بعدٌ يُنسيني, أما سنابلُ أحلامي العشرينية.. فقد هبت عليها رياحُ الشمال وذرتها في كل بقاع الشتات المنسية، لتتركني كتلك الفزاعة خالٍ من حياة لا أهمية لوجودي أو العدم..
فما هو هذا الحب بربكِ يا عزيزة..؟!
جاء صوتها الدافئ يقرأ على روحهِ السلام.. يُزمل أرتجافاته بعد وحيّ الهوى..
تمررُ أناملها على شعث شعرهِ المهمل بأحن صوتٍ وهمسة:
ما بالُك يا ولدي ترتجف حنينا وخوفا؟، فما هذا إلا بعضُ ما يصنعُ الحب بفتيانهِ العاشقين، فكن عاشقًا متمرداً أو لا تكن،
إنه الحب ياقمري، يهد أعماراً كاملة من التعقل، يشتت جيوشاً من الأفكار ويهدم صوامع من عادات, ومدنٌ من الأحلام والأمنيات..
لا شيء يُغير مسارنا كالحب
ولاشيء يشتت استقرارنا كالحب ...
يُغيرنا تغييرا جذريا, يقلب حياتنا رأسا على عقِب..
فيه نغوص وبهِ نمتزج ونضيع بكامل قوانا القلبية غير آبهين بصعوبة البدايات ولا بلعنة النهايات..
الحب ياقمري يُنضج مشاعرنا التائهة، يُشعل أشواقنا المردومة, يُنبت حدائق من عطر في صدورنا المتخمة بالحنين..
الحب أن نجد استراحة روح في روح، ومأوى بعد سنين من الركض، أن تكون وطنا لوطنك ولباسا لمن تحب فلا يبرد بحضورك ولا تُصيبُه موجة فقد..
أن تكون لهُ كل شيء ويكون بعينيك كل العالمين, أن تكون عيناه سكنك وفي أجفانه احتواء الكون، وحضنِ اليقين بعد متاهات ملامحةِ الفاتنة..
الحب ياعزيزي ...
كائن عابثٌ بالروح, غير مكترث لأي عواصفٍ واقعية أو أعاصير أهلية وحروبٍ قبلية وعاداتٍ غير منصفة للقلوب..
الحب دواءٌ وداء...
علةٌ وشفاء...
إن كان على مقاس عاطفتك وقلبك سَعدت, وإن زاد عن حد حاجتك قُتِلت..
فيا قمري والضياء...
لا ترمِ بقلبك في بحره إلا وأنت تستطيع السباحة لتنجو، حتى إذا التهمك حوت العشق ولبثتَ في ظلماتهِ سنين عددا رتل تسابيح أمانيك وأحلامك،
تذكر.. كل الذين يترقبون شعاع نجاحك المنتظر
يضعون فيك ثقة العالم وبأنك كوكب فرحتهم ومجرة آمالِهم, وكون فخرهم الكبير...
فلا يُغرقك مايسمى حب قبل أن تنضج فاكهة أحلامك العشرينية، وتكون فارس الأحلام يسرُ العاشقين...
يا بني، الحب شهيٌ في العشرين
لكنهُ ناضج لذيذ المذاق بعد عمر من التعب في متاهات النجاج
فتسكن به وبحضنهِ...
إلى أن تملأ كل أيامك زهور الفرح القرمزية وبنين الأبدية في عوالم من الخيال, حتى إذا أدخلت يـدَ شعورك في قلب من تُحب.. خرجت بيضاءَ يزفُها للعاشقين...
منشور من العدد 41 لمجلة منشورات الواحة
Instagram: manshurat_alwaha
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...