أهل الوفاء - عبد الله محمد الجوفي
كان الرجل منهمكا في عمله كالمعتاد، يرتبه، وينفذ خطواته ومراحله، لا يشغله شاغل عن ذلك، وكان هذا ديدنه ونهجه؛ بذل الجهد دونما انتظار لمقابل..
فقد أثبتت الأيام العجاف تمسكه بمبدئه الذي كان كثيرا ما يرد به على من يلومونه على ما يلاقي من إرهاق وعناء في ظل الحرمان من المستحقات القانونية، فكان يرد عليهم :
طالما أنني قبلت بالبقاء في هذا العمل فلا بد أن أوفيه حقه من الجهد والإتقان، ولابد من الإنصاف من رب العالمين ، أما البشر فلا تأمل فيهم كثيرا .
وفي صبيحة يوم من الأيام وهو على تلك الحال من الجد والاجتهاد في عمله ، كسر حاجز الصمت الذي كان منتشرا في المكان ، صوت تتطاير موجاته في المحيط وكأنها تسبح في الهواء رويدا رويدا، حتى لامست سمعه المرهف ، الذي بدوره نقلها فورا بسرعة يعجز البشر أن يبلغ حدا بسيطا منها ، حتى سلمها للدماغ ، الذي ترجمها بدقة بديعة ، وأمينة ، وإذا بصاحبنا تصله رقيقة واضحة ، ألا وهي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المثابر ..
فيبادر برد السلام ، وهو يلتفت نحو مصدر الصوت ، فيشاهد ثلاث شخصيات أمامه ، بادر إليهم بوجه بشوش مطلقا الترحيب من نظراته قبل حلو الترحيب من لسانه ، حتى أنك لو سمعت و رأيت حرارة ذلك الترحيب لقلت في نفسك إنه يعرفهم عز المعرفة ، فبادرت الشخصية الأكبر سنا بالكلام قائلة : ترحيبك يوحي أنك تعرفنا . أليس كذلك ؟
فتبسم قائلا :
ترحيبي نابع من طباع اكتسبناها منذ طفولتنا؛ في أن نبشّ في وجه القادم علينا أيًا كان ، ثم إنني بفراسة المؤمن رأيت في سيماكم شخصياتكم؛ فالود الكامن في أعماق الوجدان ينضح زاهيا في قسمات الوجه ونظرات العيون ، وعموما أهلا بكم وسهلا ومرحبا ، أما التعريف بشخصياتكم فذلك متروك لكم ، فبادرت الشخصية الوسطى بالقول : إن الأهمية في زيارتنا لك لا تكمن في التعريف بنا فذلك ليس جوهر ما نريد ، ولا غاية ما نسعى إليه ، فتناولت الشخصية الصغرى الموضوع من الأخرى بلطف وحصافة واتزان ، وكأنها تكمل نسيجا حاكته من قبلها على نفس المنوال، فسرعان ما نثرت على سمعه دررا من القول ، وأخذت منه لوهلة لب عقله ، فكان يصغي إليها بوجدانه قبل سمعه ، ثم أتت إلى خلاصة القول فقالت : نحن أتينا إليك باسم كل المخلصين المقدرين لجهودك التي تبذلها ، ولصفات حسنة تغرسها في النفوس ، نحن من نرقب نجاحات تحققها ، وآمال تزرعها ، وبسمة على الشفاه ترسمها، سمعنا عنك أكثر مما شاهدنا ، تابعنا بشغف كل جديد تخطه أناملك فكان كل عدد يصدر من تلك المجلة يحمل بين غلافيه مايروي عطش الظمآن منا ، فكنا نترقب ذلك الإصدار كعصافير ترقب نور الفجر الذي يقبل رويدا رويدا .
ثم كان ختام الإصدارات الشهرية فتوجت بتاج حق له أن يعتلي على رأس تلك المجموعة فجاء كتابك (رحلة معاناة) ليبهج القلوب ، فما كان منا إلا أن اتفقنا على الحضور إليك لتكريمك وأنت على رأس عملك .
ساعتها التفت إلى زواره الكرام قائلا :
الآن ومن خلال طرحكم زال غموض كان قد داهمني ، وعرفت شخصياتكم ، فأنتم أهل الوفاء الذي أسأل الله أن يديمه ويبقيه . ولكم مني جزيل الشكر وعظيم الامتنان..
غادرت تلك الشخصيات ؛تاركة الأستاذ وقد استعاد نشاطه وقوة عزيمته، فبدت على محياه علامات السرور وأخذ يردد وهو يبتسم : لا زالت الدنيا بخير وفي خير .. لازالت الدنيا بخير وفي خير.
دائمآ متالق ادام الله القك و تالقك
ردحذفالاديب و الكاتب الشاعر د. سالم الحربي
👍👍👍👍👍👍👍 قووووه
ردحذفالله يوفقك
ردحذفما شاء الله لا قوة إلا بالله ابدعت استاذي الفاضل..وفقكم الله وسدد خطاكم
ردحذفتوفيق من الله سبحانه وتعالى
ردحذف