كانت ومازالت فلسطين وحيدة - أنوار خالد

 


أكثر من سبعين يومًا وجراح غزّة تنزف ولم يُضمدها أحد، ستون يومًا ونحن نقلب في شاشات الهواتف ونتنقل من خبر لإخر، ومن فيديو مبكي لقصة مُخذلة حيث لا نملك من الأمر شيء سوى البكاء والحزن والعجز، صحيح أنّه قلّما نجد بعضًا مِنا يشارك ما يحدث هناك وينشر قضيتهم ولكننا رغم ذلك نشعر بالهوان وقلّة الحيلة، تجرحنا الصرخات ويخزينا نداءهم وكتاباتهم، تقتلنا تلك القصص المؤلمة أمثال أبو سماء وهو يواري حزنه بسرد كل شي جميل يخصها، كذلك الجدّ أبو ضياء وحفيدته ريم التي أسماها ب"روح الروح"، هذه المواقف والخطابات التي نراها منهم تتسلل إلى شغاف القلوب لتدميها وجعًا إذ أنّي في هذه اللحظة وأنا أكتب تذكرت خطاب الجدّ وهو يقول بأنه كل سنة يحتفل بعيد ميلاده وعيدميلاد حفيدته في آنٍ واحد حيث أنهما ولدا في ذات التاريخ، فرُحت أتساءل كيف سيمضي الثالث والعشرون من ديسمبر على هذا الرجل؟ كيف سيحتفل وبمن سيحتفل؟ هل سيحتفل بذهاب عامًا قد فقد فيه أعزّ ما يملك أم بالأعوام التي سيقضيها دون تلك الروح؟ هل سيثبت ويصبر كما صبر حينما احتضنها آخر حضن وودّعها آخر وداع؟ أم أن الذكرى تجعل من الأحداث أشد حزنًا وإيلامَا؟ كان الله بعونه وألهمه الصبر والثبات حتى آخر رَمق.

أتساءل مرّة أُخرى ماذا بعد كلٍ هذا؟

 في الحقيقة جميعنا ندرك بأنّهم ليسوا أرقامًا ولا أعداد تُحصى، هم قصص وأحلام وأماني وشغف وحب وحياة، هم مثلنا يودون العيش ويسعدون بتواجدهم مثلما نسعد وأكثر، لكن لا عتب عليهم وعلى استغناءهم عنّا واكتفاءهم بأبناء وطنهم لا غير، لا عتب على معتز وصالح وأمثالهم بيأسهم واعتزالهم عن إيصال الحقيقة لعالم معمي بالسراب ومن وسط الموت وتحت أيّ ظرف وبشتى الطرق والوسائل، لا عتب على المرابطين في الأقصى والمسلمين غافلين عن مشاركتهم حمايته وفداءه بالمال والنفس والجسد، لا عتب على المقاومة وأبو عبيدة بجهادهم دون الحاجة لصواريخ وأسلحة العرب التي تُزين أوطانهم، لا عتب على غزة حينما تملص لها بصيص أمل بافتعال الهدنة ظنًا بأنّ العالم سيتخذ من قوانين الإنسانية مايجعل الحرب تتوقف للأبد ولكن خاب ظنها، لا عتب على فلسطين وشعبها حينما يعترفون بهويّتهم فحسب، لأنّ من خذلهم في الماضي لن يخلّف وصية تحرير لشيطنة الحاضر، وأخيرًا وليس آخِرًا، أقولها كما قالها العم أبو ضياء" المُشتكى إلى الله وحدة"!



* منشور من العدد 40 لمجلة منشورات الواحة

 Instagram: manshurat_a

lwaha


تعليقات