في أمّس الحاجة
علي الأزرق
إننا في أمّس الحاجة إلى نهضةٍ فكريةٍ معرفيةٍ لمعرفة حقيقة كوننا، لِنُغذي النقص السائد الذي يخاله التفكير غير المنهجي الذي قد يؤدي إلى مأزق اللامعرفة (يقصد المعرفة غير المصحوبةِ بتطلعٍ كافٍ لمَا يجري من حولك)، فنحن أفضل مخلوقاتِ الله، والله يرعى مخلوقاته جميعًا، فالإنسان له مكانةٌ مميزةٌ بين مخلوقات الله، فقد قال الله -تعالى-: ﴿ولقد كرمنّا بني آدم وحملنهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا﴾، وهذا يعني أن الإنسان مخلوقٌ مكرمٌ ومفضلٌ، وأن هذا التكريم لجميع بني آدم وليس خاصًا بالمسلمين فقط، فقد قال -تعالى-: ﴿قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾، فهذا تكريم لبني آدم أن الله خلق آدم بيديه، ونفخ فيه من روحه، فقد قال -تعالى-: ﴿ونفخت فيه من روحي﴾، وهذا تكريمٌ آخر على أن الإنسان فيه نفخٌ من روح الله. وأيضًا أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، فقد قال -تعالى-: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسنِ تقويم﴾، أي أنه خلقه في أعدل قامةٍ وأفضل هيئة، وجعله متكلمًا مفكرًا، بصفةٍ ليست موجودة في باقي مخلوقاته.
ومن تكريم الله للإنسان أنه أمر الملائكة بالسجود له، وذلك بأن الإنسان مكلفٌ بعمارةِ الأرض، ولاختيار مناط التكليف، يعني: أن الإنسان يطيع الله باختياره، أما الملائكة فهم مجبولون على الطاعة. فصفة الاختيار في الإنسان، هي التي ترفع شأنه عن سائر المخلوقات؛ لأنه يحمل الأمانة، ولهذا علمه الله الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: ﴿أنبئوني بأسماء هؤلاءِ إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا﴾، فكرّم الإنسان، وعلمه من لدنه علمًا توارثته الأجيال منذُ أبينا آدم وحتى الآن، وهذا هو العلم الذي يحيى بهِ الإنسان، ويعمّر الأرض، ويحمل الأمانة.
فبصفتك أفضل مخلوقات الله، لا بُد لك وأن تعي ذلك وتحمل الأمانة كما هي، وأن تعمر الأرض متأسيًا برسول الله ﷺ، والامتثال لأوامر الله ونواهيه، ناهيك عمّا ستواجهه في حياتك، فهذه سنة الله في خلقه.
فالله سخر للإنسان كل ما يعينه على عمارة الأرض، وأعطاه العلم، وحمله على البر والبحر، وسخر له الأشجار التي يصنع بها السفن وينقل بها بضائعه، وسخر له المعادن التي صنع منها الطائرات، وسخر له الجو ليحمل الطائرات وهو عليها.
كما أنه -سبحانه وتعالى- خص البشر دون بقية مخلوقاته بهبة العقل، وسخر لهم كل ما في الأرض، فينتفعون بكل النعم المسخرة لهم، حتى وصل بهم العلم إلى سطح القمر. وكما كرمهم أن بعث لهم الرسل يحملون إليهم منهج الله، الذي هو نورٌ ورحمة للعالمين، يحمل الشرائع التي تنظم لهم شؤون حياتهم، وتحميهم من شرور أنفسهم، وتحفظ أيضًا عقولهم من الضياع، وتجعلهم خلفاء في الأرض، التي أوكل الله إليهم عمارتها.
فانظر -يا رعاك الله- من حولك، واستشعر عظمة اصطفاء الله لك وخصك دون مخلوقاته، واعمل بما أمرك، وقم بالبحث والتنقيب عمّا خُلقت من أجله، واجعل زادك المعرفي عظيما، لتواجه به كل أشكال الشبهات التي ستواجهك، وتسلّح بالقرآن، واجعله غاية مبتغاك ومناطك في جميع أمور حياتك، فهو المرجع الشرعي الإلهي الرباني الذي لا يخالطه شكٌ ولا شبهةٌ ولا ريبةٌ ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه﴾.
* منشور من العدد 39 لمجلة منشورات الواحة
Instagram: manshurat_alwaha
*تدقيق لغوي: بليغ الطيار
Instagram: baligh_tayar
سلمت اناملك وضحت واضحت كل شئ جعلته جلي مبين
ردحذفلك مني كل السلام والتحيه
احسنت بارك الله فيك، ما شاء الله تبارك الله
ردحذف