فُقدان
فُقدان
رندا الصيرفي
ما بين مرضٍ وقد رحلَ جدي، أكتبُ اليوم لأول مرةٍ عن فُقدان روحي العُظمى، أكتبُ وعينايَ تهرُبان، وأتساءل أي حُزنٍ صابه على الورق، أكتبُ وأنا هاربة مِن فجيعةِ فُقدانِك، وفراغِ مِقعدك، وتلاشي ذِكر اسمك.
- أيا جدي، أُنادي روحًا متغيبةً لا تُجيبُني، أنا الهارِبة مِن حقيقة الدُنيا، والنائِمة بحُلم انتظارِك، أرجو من اللهِ الصبرَ والسِلوان.
- أيا جدي، وبقى صوتك عالِقًا فِي بالي رُغم غِيابك، وبقت ملامِحك هيَ الأجمل فِي عيني مع أن الثرى قد غطاها، وبقى قلبكَ هو أحن قلبٍ عليّ، مع أنهُ قد توقفَ عن النبض.
- أأُحدِثهم عنكَ يا من اعتبرته وطني وسندي وأبًا لي أم أكتفي باختفائك؟!
دعوت كَثيرًا طالبةً من الله أن يوقظني على خبر شفائك، ولكِنني استيقظت على كابوسٍ يخترقُ صلابتي ويُسقطني أرضًا، إن الألم قد تمكنَ مِني وباتَ يُطاردني كُل ليلة أتذكرُ فيها أن الزِيارة الأخيرة لم تكُن مِن نصيبي، وأني ما ودعتُك حق وداعِك، تمنيتُ كثيرًا أن يكون موتكَ حُلمًا وترجعُ لنا وتضحكُ بيننا، ولكِني لم أصحُ إلا على كابوسٍ وأنا أراكَ أمامي مُدثرًا يتوسدُ جسدكَ الكفن، وعِظامك بدأت تختلط بالتراب، بكيت حينها كثيرًا حتى توفقت دموعي، كُلما تذكرتك وكل مرة أتذكر فيها ابتسامتك وحُضنك وكل شيء يخُصك، سألتُ نفسي حينها هل حقًا هذهِ هي المرة الأخيرة التي سأراكَ فيها، هل سأُحرمُ مِن حُضنك الذي طالما احتواني وضِحكتك ووجهُك البشوش؟! هل اختفى ولم يعد باستطاعتي رؤيته! سأدون اعتذاري لكَ وأُخبئه في قلبي يا جدي، فَها أنا أصبحتُ الآن فِي مُحاولة فاشِلة لتناسيك وأنت أحقُ الناسَ بالذِكر.
لا زلتُ أرى وجهك بين وجوه العابِرين، لا زِلتُ أسمع صدى صوتك فِي أرجاء المكان، حتى وإن قالوا وحاولوا إقتاعي بأنكَ قد مُت يكفيني أنني ما زلتُ أشعُر بأنك على قيد الحياة، أيا جدي، انتزعتكَ الدُنيا مِن أيامي وكُل التمني عودتك، دُمتَ مُنعمًا يا جدي في جنة الله وحِفظه.
* منشور من العدد 39 لمجلة منشورات الواحة
Instagram: manshurat_alwaha
*تدقيق لغوي: بليغ الطيار
Instagram: baligh_tayar
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا لتشجيعنا على الاستمرار...