حواء - عبد الله محمد الجوفي













كان الأستاذ عبد الله أثناء تواجده في القاهرة يفضل أن يتجول راجلا وكان في كل مرة يختار أحد الأحياء الشعبية للتنزه فيه، وكان يعجب بالكثير والكثير، ولكن أكثر ما لفت انتباهه العزيزة حواء، نعم حواء، كانت بارزة بروز الجبال صامدة صمودها، تراها في كل ناصية مفترشة الأرض او متربعة على كرسي متواضع، أو مستخدمة إحدى العربيات (سيارة صغيرة) كمحل كافي متنقل، شاهد الكثير والكثير من رموز الكفاح الإنساني، وفي إحدى جولاته في شارع.... المتفرع من شارع فيصل، وقع نظره على حواء أخرى في الأربعينات من العمر وهي تعمل في مخبزها في درجة حرارة عالية..، كان الأمر في البداية اعتياديا، فكثير من النساء يعملن بجد واجتهاد في كل بقاع الأرض، لكن الملفت هنا حين عاد الأستاذ عبد الله مرة ومرات، لا بل عشرات المرات وهو يمر من نفس الشارع ويلاحظ نفس المخبز ومن فيه وفي أوقات مختلفة من الليل والنهار وفي كل مرة كان يشاهد تلك المرأة وهي واقفة في المخبز بشموخ تتصدى بوجهها للفحات من لهب ذلك المخبز وهي لا تبالي رغم أن أيام النهار كانت في شهر رمضان فتارة يشاهدها تخبز وأخرى وهي تبيع الخبز لزبائنها، فكان يقول لابنه :انظر يا بني ماشاء الله تبارك الله هذه المرأة تعمل معظم ال ٢٤ ساعة تقريبا دون كلل أو ملل ، إنني تعمدت المرور من أمام هذا المخبز في أوقات مختلفة ليلا ونهارا، صباحا ومساء وفي كل وقت أجد هذه المرأة تعمل دون توقف. إنني يا بني متعاطف معها وأدعو لها في صلاتي لأنها مثال يحتذى به ورمز نادر من رموز الكفاح. رد عليه الابن نعم يا أبي هي كذلك فقد لاحظت ذلك منذ أخبرتني عنها في الأسبوع الماضي. انتهى شهر رمضان المبارك ١٤٤٤ه وفي اليوم السابع من شهر شوال أجريت للأستاذ عبدالله عملية قلب مفتوح وبعد أن تم إخراجه من غرفة العناية أحيل إلى قسم الرقود ليكون على موعد مع شرف التعرف على نماذج أخرى من حواء العزيزة المتفانية فكانت ممرضته الفاضلة الدكتورة مرام أحمد التي لا تقل نبلا وإخلاصا عن الشيماء ( في قسم العناية) فكانت تؤدي واجبها على خير وجه وترعى مرضاها رعاية كاملة، وفي ذات مساء حضرت وأخبرت الأستاذ عبد الله أن عليه القيام بجولة المشي الإلزامية في صالة قسم الرقود بمستشفى ويلكير بالقاهرة فشرع رويدا رويدا كطفل يمشي ويتهادى في خطواته الأولى وفي منتصف المسافة المقرر له أن يقطعها لاحظت ممرضته مرام أنه أجهد، فقالت له : توقف قليلا وخذ استراحة قصيرة ثم واصل السير، ففعل ولكنه استغل ذلك الموقف ليعبر لها عن شكره وتقديره وأخذ يشيد بالمرأة المصرية المكافحة قائلا: لقد شهدت في اليمن الكثير من رموز الكفاح من العنصر النسائي، إلا أنني هنا في القاهرة لاحظت أن دور المرأة المصرية في تحريك عجلة الحياة دور محوري، ثم أخذ يذكر لها ما لاحظه وما شد انتباهه حين شاهد تلك المرأة التي لا تكاد تتوقف عن العمل في المخبز. كان هذا الحوار يدور بين الأستاذ عبد الله والدكتورة مرام أحمد، ولم يلاحظا أن حوارهما بلغ مسامع غيرهما وأن ذلك الحوار قد مس أعماق حواء أخرى كانت تلتقط كلمات ذلك الحوار وتبلغ كل كلمة منه مبلغا عظيما في وجدانها. وبينما هما على ذلك الحال وإذا بأختنا عاملة النظافة تصدر صوتا آه، آه. فقطع الحوار بينهما واتجه الأستاذ وقبله الدكتورة مرام نحو المرأة والدكتورة تخاطبها قائلة : خيرا، خيرا أختي منى، ماذا حصل؟ فردت عليها بصوت فيه من الحزن أبلغه ومن الأسى منتهاه قائلة : كلام الأستاذ يادكتورة أثار شجوني وهيج أحزاني، فقد تزوجت من رجل وأنجبت منه ثلاث بنات وفجأة طلقني وتركني مع بناتي دون عائل، وأمام مسؤوليتي الجديدة ( التي هي أصلا مسؤولية الزوج) شمرت عن سواعد الجد وأخذت أمشي في دروب الكفاح كما تشاهدونني الآن وأنا أعمل، ومرت السنوات وآتت جهودي أكلها وأكرمني الله سبحانه وتعالى وأثمر كفاحي واستطعت تعليم بناتي حتى أنهين دراستهن الجامعية. هنا وقف الأستاذ والدكتورة مرام وقفة إجلال ونظرا معا نظرة احترام وإعجاب للأخت الفاضلة والأم الغالية منى وقال لها الأستاذ عبد الله : بارك الله فيك أختي منى ، وجزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك يا حواء أينما وجدتي في ساحات الكفاح في كل بلاد العالم. القاهرة 10 مايو 2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي