من اليمن السعيد إلى غزة الصمود - هيفاء صالح


 



سلامٌ عليك؛ حيث لا سلام بكِ

ورحمةٌ من الله وبركاته عليكِ،

قبل أن نتحدث معك وعنكِ: نطلب منك العُذر

ما أكبر خيبتنا يا غزة بعروبتنا

كم قصم ظهرنا تخاذلُنا

كل أمجاد العروبة باتت حضيضاً أمامك

 دعي ذكر العرب جانبا؛ سبق قولي أشلاء شعبك ودماء أهلك وبطش أعدائك فلم يجدي فيهم نفعا..


كم أنتِ فخورة بأهلك يا غزة؟

فدوكِ بأموالهم وبيوتهم وحاضرهم ومستقبلهم وبأبنائهم وأهلهم وأنفسهم!

ياه! كم هم عظماء يا غزة!

حين أصبح على عهد الرسول والصحابة آلالاف السنين أتى شعبك ليرينا كيف هو الإيمان الحق؛ والتسليم المطلق؛ والرغبة الصادقة في نيل الحق، "نصرا أو شهادة".

رأينا عزة الأسلام تتجلى في أقوالهم وأفعالهم، أرونا بكل ما تحمله الكلمة من معنى "الرضاء بقضاء الله وقدره".

عجبًا يا غزة هل هم بشر أمثالنا! 

أم وتالله لهي معيّة الله متشعبة في نفوسهم، ورحمته محاوطة أرواحهم!

يا الله كم تحبهم! كم تحبهم؛ حتى جعلت بلاءهم عظيماً لهذه الدرجة!؟

(قوم يحبهم الله ويحبونه)

طوبى والله طوبى ..

كم سهرًا وأرقًا تجرعوه..

كم روعًا وخوفا وحرقة ابتلعوه..

كم صرخة تصدعت في زوايا شمالك وجنوبك..

أعين الأمهات فيك جفت،

وقلوب الآباء تفطرت،

وأجسام الأطفال تفتت،

وما زلتِ صامدة يا غزة!

بضعة كيلو مترات، تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وما زالت صامدة، ثابتة، على قول وصف واحد!

يااه! كم أنت فخر يا غزة، أربكتِ العالم من شرقه لغربه، بقوتك!

فهمنا معانِ القران منك يا غزة؛ وكأننا لم نقرأه من قبل! 

شرحتِ لنا تطبيقًا آيات الله التي نقرأها يوميا تقريبا..

في حضرتك يا غزة فلتُغلق الجامعات وليدرسوا لديك دكاترتها.

كم أنتِ عزيزة يا غزة!

أعزك الله بأهلك بعزهم لدينهم!

مكافحين لا يفترون عن المدافعة،

رغم حجم الخذلان.. إلا أنهم لم ييئسوا يوما واحدا طيلة ٢٥ يوما..

سمعوا وطبقوا أوامرا الله -(ولا تيأسوا من روح الله) (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون)-

كم آية مطمئنة يقرؤونها فيشعرون أنها لهم! وأنهم المقصدون!

كم هم عظماء! كم هم عظماء!

الأم تفقد كل فلذاتها وتقول :( فداء الاقصى يما).

الأب يفقد زوجته وفلذات كبده ويقول:( أحتسبهم عندك يا الله).

الشعب من طفله لشيخه يردد:

خذ من دمائنا حتى ترضى يا الله!!

خذ من دمائنا حتى ترضى...

ما أبخس ما قدمناه أمامهم!

يتاجرون في سبيل الله بأغلى الأثمان وما أبخس أثماننا أمامهم!

ما أسذج حياتنا أمام حياتهم!

نلهو ونسرح ونمرح فإذا أصابتنا أتفه مشكلة قلبنا حياتنا رأسًا على عقب وشتمنا اليوم الذي ولدنا فيه؛ ونِقل الأدب مع الله؛ ليش يا ربي أنا كذا، وحصل فيني كذا!!

كم نحن تافهون أمام أهل غزة!

والله أنهم يتمنون ولو يومًا واحدًا من حياتنا..

يا أيها المتضجر من حالك!

احمَد الله وتُب؛ لئلا يفجعك بمصابهم..

تنام على هدوء وسكينة وتصحى بحضن طفلك أو بصوت منخفض من أهلك يسألك عن أكلة اليوم! أو الغرض الفلاني في أي درج!

وأهل غزة لا نوم ولا هدوء ولا طفل يستيقظ وفيه الحياة! كم شهيدًا إلى اليوم؟

كم طفًلا.. إلى اليوم؟

يستهدفون الأطفال ليكسروا ظهور الأهل وآمال المستقبل ولأنهم يخشونهم! يخشون أطفال غزة ففيهم هزيمة وإحباط لمستقبل العدو..

حين يولد الأطفال يولد فيهم حب الله والشهادة في سبيله! 

أصغر طفل يدّرس أكبر رجل فينا!

حين يعدّون أطفالهم يعدّونهم للجنة!

يطلبون الشهادة كطلب أولادنا للشوكولاتة ليلا ونهارا!!

يا ضياع تربيتنا أمام تربيتهم!

ينشأ الطفل لدينا ولا يعلم عن دينه ومن نبيه، علمه لا يتجاوز ثلاجة منزله!

فلنعِد حساباتنا، ولنراجع أنفسنا، ولنعدل مواقفنا تجاه الأمور.. ولنعيي ولنفهم ولنرسخ في ذواكرنا (أنّ ما ليس لله فهو زائل) دنيا وآخرة.

فما قدموه أهل فلسطين:

بيوت جديدة تُبنى في الجنة.

أطفال ودعوهم إلى الجنة.

أهل احتسبوهم عند الله في الجنة. 

سنين من التعب والتربية والمعاناة.. 

بلحظه! احتسبوها عند الله.

والله لن يضيعهم ولن يحرمهم من غزتهم في الجنة كما حُرموا منها في الدنيا.

صبرًا يا أهل الثبات، فلكم وعد الله بالنصر وبالجنة معًا، وطبتم وطابت غزة 

ولا طاب عدوكم لا دنيا ولا آخره.

وآخر الرسالة: لا تعتادوا المشهد ولا تألفوا الصور والأصوات والأخبار..

أخلصوا الدعاء ليلا ونهارا 

وانشروا عنهم ولا تصمتوا

وأخبروا أبناءكم وأهلكم وجيرانكم

بكل خبر جديد؛

لتبقى القضيّة حيّة في قلوبنا على الأقل!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد الشريف.. العالِم الطيار - السيد سين

فماذا أقولُ ياقُدسي - سارة سامي