لحن من الماضي - ريم محمد درويش
"سارة فتاة يمنية شابة، تبلغ من العمر حوالي 20 عاماً، تتميز بجمالها الطبيعي، وشعرها الأسود الطويل، وعيونها السوداء الواسعة، وبشرتها السمراء الناعمة.
هي فتاة هادئة وحساسة، تحب الموسيقى منذ طفولتها، وتحلم بأن تصبح عازفة مشهورة.
تتمتع بروح قوية وعزيمة لا تلين، فهي لم تتوقف عن البحث عن أصل اللحن الذي وجدته في قلبها، حتى وجدته بعد سنوات من البحث".
تقول: كنت أحب الموسيقى منذ طفولتي، واحلم بأن أصبح عازفة مشهورة، كنت أدرس في مدرسة حكومية، وكان مدرس الموسيقى فيها الأستاذ مصطفى، وهو رجل عجوز حكيم، ذو خبرة واسعة في الموسيقى.
ذات يوم، كان الأستاذ مصطفى يعزف على الكمان في غرفة الموسيقى، وكنت أنا أستمع إليه باهتمام، فشعرت بلحن غريب يتردد في قلبي، وكأنما كنت قد سمعته من قبل، ولكنني لا أستطيع أن أتذكره.
بعد انتهاء العزف، اقتربت منه وقلت له: "أستاذ مصطفى، ما هذا اللحن الجميل الذي عزفته؟"
ابتسم وقال: "هذا لحن من التراث اليمني القديم، وهو لحن حزين، يعبر عن الحنين إلى الماضي الجميل."
أجبت: " أشعر وكأنني أعرف هذا اللحن، ولكنني لا أستطيع أن أتذكره."
قال: "هذا اللحن قديم جداً، فقد قيل أنه يعود إلى عهد الدولة الصليحية، وقد نسيه الناس منذ زمن طويل."
وأنا في منزلي ظللت أفكر في اللحن، ولم أستطع أن أغمض عيني تلك الليلة، كنت أشعر وكأنني أبحث عن شيءٍ ما، شيء ضائع منذ زمن بعيد.
في اليوم التالي، ذهبت إلى غرفة الموسيقى، وبدأت أعزف على البيانو، فوجدت نفسي أعزف اللحن الذي سمعته من الأستاذ مصطفى.
كنت سعيدة جداً، فقد وجدت اللحن الذي كان يتردد في قلبي، وبدأت أتعلمه واتقن فيه.
فسمع صوتي الاستاذ مصطفى وأنا أعزف اللحن، فوجئ وقال: "سارة، هذا لحن رائع، كيف تعلمتِه؟"
أجبت: "لقد كنت أعزف عليه منذ زمن طويل، ولكنني لم أكن أعرف أنه اللحن ذاته".
ابتسم وقال: "أنتِ موهوبة جداً يا سارة، ولديك مستقبل كبير في الموسيقى".
واصلت تعلم الموسيقى حتى كدت أفقد الأمل، ساعداني والديّ للوصول إلى حلمي، وبعد سنوات أصبحت عازفة مشهورة، واشتهرت بعزفي على اللحن الذي وجدته في قلبي.
ولكنني لم أتوقف عن البحث عن أصل اللحن، فسافرت إلى جميع أنحاء اليمن، وسألت كل من يعرف التراث اليمني القديم.
أخيراً، وجدت رجلاً عجوزاً، كان يعرف اللحن، وقال لي: "هذا اللحن هو لحن قديم جداً، وقد قيل أنه كان يعزفه موسيقيًا مشهورًا في عهد الدولة الصليحية، ولم يبقَ أحد يعرف اللحن سوى حفيده، الذي توفي هو الآخر قبل سنوات".
شعرتُ بالحزن الشديد، فعزمت على مواصلة ذلك العزف، وأصبحت رمزاً للموسيقى اليمنية، وظل الناس يتذكرون اللحن الذي كان يتردد في قلبي، ويعتقدون أنه لحن النغمة الأخيرة للموسيقي المشهور في عهد الدولة الصليحية.
منشور من العدد 42 لمجلة منشورات الواحة
Instagram: manshurat_alwaha
مقال رائع جدا...
ردحذف